تحميل التأطير الاشكالي العام لمجزوءة المعرفة مادة الفلسفة الثانية باك
التأطير الاشكالي العام لمجزوءة المعرفة مادة الفلسفة الثانية باك
عندما ينفتح الفكر , من خلال مجمو عة من الانشطة العقلية , على مو ضو ع خارجي او على الذات نفسها , مستهدفا الفهم او الو صف او التفسير او التنبؤ . . .نسمي ما ينتج عن ذلك معرفة بصفة عامة . الا ان هذا الانفتاح , عندما يستهدف مو ضو عا خارجياء دو ن تدخل للذات في ذلك المو ضو ع نسمي ذلك معرفة علمية , تفضي بنا الى ما يعرف عادة بالعلو م "الحقة" اما عندما يكو ن مو ضو ع المعرفة هو الذات نفسها , حيث يصعب القيام بعملية الفصل بين الذات الدارسة و المو ضو ع المدرو س , و ما يترتب عن ذلك من صعو بات في مطلب المو ضو عية , فاننا نتحدث عن علو م انسانية , او دراسات انسانية , او انسانيات على حد تعبير لو يس التو سير . و سو اء تعلق الامر بالشكل الاو ل , او بالشكل الثاني , فاننا نجد انفسنا دوما امام ذات و مو ضو ع , و ما يمكن ان يترتب عن العلاقة التي ينبغي ان تكو ن بينهما , و هي العلاقة التي تتراو ح بين الانفصال التام , و اي فصل الذات عن المو ضو ع -المو ضو عية- و بين عدم القدرة على تحقيق هذا المطلب -الذاتية- . ان طبيعة العلاقة بين الذات و المو ضو ع هي الاشكال الاساسي للمعرفة عمو ما , و للمعرفة العلمية على و جه الخصوص , سو اء كانت طبيعية او انسانية .
انطلاقا من ذلك يبدو ان جدلية الفكري -او ما ينتمي الى الذات- و الو اقعي -او ماهو مرتبط بالمو ضو ع- هي جدلية تحتل مكانا اساسيا في صيرو رة و بناء المعرفة العلمية , و من ثمة يمكننا طرح التساؤل التالي: هل يمكن لهذه المعرفة ان تبنى بناء عقليا صرفا -اي بناء نظريا خالصا- ام انها مطالية لكي تصبح نظرية علمية حقة , بان تستحضر مو ضو ع دراستها استحضارا و اقعيا -تجريبيا- بالاصغاء او الانصات اليه ؟ ان طبيعة هذا التساؤل تعكس الاشكالية الاساسية للنظرية و التجربة . فاذا كان العلم علم بو اقع ما ءكما يرى البعضء -كلو د بيرنار- فان ذلك الو اقع يقتضي منا استحضاره كمنطلق لبناء اية نظرية و كتمحيص لصدقها او عدم صدقها . و لعل عملية الاستحضار هذه هي ما يقو دنا الى اثارة مسالة التجريب و التجربة . فما المقصو د بالتجريب ؟ و ما المقصو د بالتجربة ؟ هل يمكن اعتبار كل من التجريب و التجربة اسمين يحملان نفس الدلالة , ام ان لكل و احد منهما دلالته الخاصة , بالرغم مما يمكن ان يحصل من تداخل او تقاطع بينهما ؟ يقو دنا مفهو م التجربة ايضا الى طرح التساؤل التالي: هل المقصو د دو ما بالتجربة هو تلك الممارسة التي تتم داخل المختبر , و نكو ن خاضعة لشرو ط محددة , ام ان التجربة يمكن ان تحمل دلالة اخرى تجعل منها فكرية محضة -رو ني طو م- .
ان كل معرفة سو اء كانت معرفة علمية او غير علمية , انما هي سعي الى امتلاك الحقيقة , حقيقة الاشياء حقيقة الذات , حقيقة الافكار , حقيقة الافعال . . . و ليس الى الباطل او اللاحقيقة , الا ان هذا السعي يفضي بالضرو رة الى حقائق متعددة و مختلفة و متعارضة , الامر الذي يجعل منها حقائق تجمع بين الحق و الباطل , بين الحقيقة و الراي . انطلاقا من ذلك يمكننا ان نتساءل: ما علاقة الحقيقة بالراي ؟ هل يشكل الراي نو عا من الحقائق ام انه لا يعدو ان يكو ن مجرد انطباع ذاتي , لا يمكنه ان يرقى الى مستو ى الحقيقة ؟ هل بامكاننا ان نعتبر الراي قادرا على ان يمنحنا حقائق قائمة على القلب و الغريزة , باعتبارهما مبداين للاشتغال العقلي , اي للاستنباط -باسكال- ؟ ام ان الحقيقة – و من ضمنها الحقيقة العلمية – لا يمكنها ان تقو م على الراي , لان هذا الاخير لا يفكر او لنقل انه يفكر بشكل سيء الامر الذي يجعله عائقا امام قيام المعرفة العلمية -باشلار- ؟ الا يملك الراي قيمة علمية عندما يكو ن مؤسسا على اعلى درجات الاحتمال , الامر الذي يمكن ان يجعله قدو ة لباقي المعارف -ليبنتس- ؟
ان مجمل تساؤلاتنا حو ل علاقة الحقيقة بالراي , تقو دنا بالضرو رة الى طرح اشكال معايير الحقيقة . فما هي المعايير التي ينبغي ان تقو م عليها الحقيقة حتى تستحق ان تسمى بهذا الاسم ؟ هل ينبغي ان تقو م على الحدس و الاستنباط , بحيث يكو ن الحدس تصو را صادرا عن ذهن خالص و يقظ , و يكو ن الاستنباط هو ما يمكن ان يتم استنتاجه بالضرو رة من اشياء اخرى -ديكارت- ؟ و هل تكفي البساطة و الو ضو ح و التمايز لجعل فكرة ما فكرة حقيقية , ام ان الامر يقتضي قيام تلك الحقيقية على برهنة سليمة , سو اء على المستو ى المادي او المستو ى الصو ري -لايبنتس- ام ان الامر يتجاو ز هذا و ذاك , بحيث ينبغي البحث عن معيار الحقيقة في ذاتها بالاستناد الى يقينها و كمالها -اسبينو زا- ؟
ان مجمل تساؤلاتنا حو ل معيار الحقيقة , ترجع بالاساس الى كو ن هذه الاخيرة ذات قيمة لا يمكن لاحد ان ينتقص منها , لانها ما يسعى اليه كل انسان . لكن السؤال المطرو ح هو : من اين تستمد الحقيقة قيمتها ؟ هل تستمدها من ذلك التيه الذي يحكم حياة الانسان , و ينتمي الى البنية الداخلية لكينو نته و يجعله منفتحا على الغلط -هيدجر- ؟ هل تستمد الحقيقة قيمتها من اعتبارها نقيضا للخطا ام من اعتبارها نقيضا للعنف , حيث يتم التحو ل من التطابق بين الفكر و الو اقع , الى التطابق بين الانسان و بين الفكر او الخطاب المتماسك الذي يعرف فيما يفكر , و يفكر فيما يعرف -اريك فايل- ؟ الا يمكن القو ل بان الحقيقة تستمد قيمتها من كو نها ما يسمح ببقائنا و استمرارنا , و لو منخلال تلك الاو هام التي نسينا انها كذلك بفرط الاستعمال , و بتدخل اللغة القائمة على الاستعارات , و الكنايات , و التشبيهات -نيتشه- ؟